المقالات

Share
2/8/2021

لا أحدَ آمِنٌ وحده

إخوتَنا فى الإنسانيةِ فى كُلِّ مكان!

يُسعدني أن أتوجَّه إليكُم فى هذا اليومِ التاريخيِّ بحديثِ «الأخوَّة الإنسانيَّة » والقرابة البشريَّة؛ لنستحثَّ فى البشر جميعهم هذه الواشِجةَ الجامعة واللُّحمة المشتركة بين أبناء الأرض؛ ألا وهي لُمة الأخوَّة الإنسانية؛ من أجل استعادة اكتشاف قيم العدل والسلام والتعايش والمساواة بين الناس جميعاً.

يُسعدني أن أُشارِكَكم اليومَ الاحتفالَ بذِكرى مرورِ عامين على توقيعِ (وثيقةِ الأخوَّةِ الإنسانيةِ)؛ ذلكم الحلمُ الذي أصبحَ حقيقةً بعدَ جهدٍ مخلصٍ، استغرَقَ عاماً كاملاً من العمَلِ الدؤوبِ مع أخي العزيزِ البابا فرنسيس، بابا الكنيسةِ الكاثوليكيةِ، وبرعايةٍ مخلصةٍ من الأخ الكريم سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بدعمِه المشكور للَّجنةِ العُليا للأخوَّة الإنسانيَّةِ، هذا الكيانُ الذي أثبَتَ سريعاً قُدرتَه على التحرُّكِ الدوليِّ، فى رحلةِ البحثِ عن استراتيجيَّةٍ إنسانيَّةٍ تقومُ على التعاونِ بين كُلِّ محبِّي الخيرِ والسَّلام، وتُوِّجت باعتماد الأمم المتحدة يوم الرابع من فبراير من كل عام يوماً عالمياً للأخوَّة الإنسانية؛ لتكون هذه الذكرى الثالثة لتوقيع الوثيقة مناسبة دولية يحتفل بها العالم فى وقتٍ عصيب يئنُّ فيه الجميع تحت أزمة عاتية وجائحة قاسية، وإننا إذ نتوجه إلى العَلِيِّ القدير بالدعاء لكشف الغُمَّة، نؤكد أن الكابوس المرعب الذي يعيشه العالم، بسبب وباء فيروس «كورونا » الذي لم تسلم منه دولة من الدول، ولم يَنْجُ منه شعبٌ دون آخر، يجعل التشبُّث بسفينة «الأخوَّة الإنسانية » حلاً حتمياً ووحيداً للنجاة من هذا الطوفان الكارثي الذي اجتاح العالم، ولم يترك للإنسان فى كل بقعة من بقاع الأرض غير درس واحد: «لا أحدَ آمِنٌ وحده ».. ولا نجاة منفردة لصاحب مال أو نفوذ، أبيض أو أسود، مجتمع متقدِّم أو متأخر.

إن علاج أمراض الكراهية والعنصرية البشرية، ووَهْم النجاة المنفردة، يكمن فى لقاح خرج من قلب تجاربنا المريرة، وهو لقاح الأخوَّة الإنسانية التي أرى فيها مناعة صلبة فى مواجهة الأوبئة الفكرية والأخلاقية، فمفهوم تلك الأخوَّة لا يعني فقط الاكتفاء بقبول الآخر، بل يعني أن نبذل الجهد من أجل خيره وسلامته، وأن نرفض التمييز ضده بسبب أي اختلاف من أي نوع، ولا نألُوَ جهداً فى نشر هذه المبادئ السامية بين الناس. ومن هنا، ومن تحت مظلة الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، نُوجِّه تحية تقدير وإكبار إلى كل مُحبِّي السلام فى العالم، وإلى كل مُتطلِّع لعالم يسوده الخير والتسامح، وتُظِلُّه المودة والسلام والتضامن مع الفقراء، والضعفاء، والمهُجَّرين من ديارهم وأوطانهم؛ خوفاً ورعباً من أوبئة العنف والتمييز والإرهاب؛ حتى ينعموا بالأمان والاستقرار. وباسمِ الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، بل باسمِ كلِّ أخٍ وأخت لي فى الإنسانية، أشكرُ كلَّ فرٍد من أفرادِ الطواقمِ الطبيَّةِ، وكل عالِمٍ وعالِةٍ، وباحث وباحثة عن علاج يدفع عنا غائلة هذا الوباء، وأشكر كلَّ صاحبِ مبادرةٍ، أو مشروعٍ إنسانيٍّ، فرداً كان أو مُؤسَّسةً، يكافح فى هذه المعركة لدعم الناس دون تمييز، وأدعو الله أن يُوفِّقَهم، وأن يَجعَلَهُم ذُخراً للإنسانيَّة جمعاء.

وأتمنَّى لهذه المجلة الوليدة أن تكون صوتاً حقيقياً ومخلصاً لمبادئ الأخوَّة الإنسانية، وأن تُلْزِمَ نفسها بدليلِ عملٍ مِهنيٍّ إنسانيٍّ، لخَّصه التجمع الإعلامي من أجل الأخوَّة الإنسانية، الذي انعقد فى مثل هذا اليوم من العام الماضي، تحت مَظلَّة مجلس حكماء المسلمين، فى «مدونة العشرين- مبادئ العمل الإعلامي من أجل الأخوَّة الإنسانية »؛ لتكون خيرَ تطبيقٍ لمبادئ الوثيقةِ على أرضِ الواقعِ، وتحقيقِ رسالةِ الإعلامِ الإيجابيَّةِ فى بناء مجتمعٍ تسودُه الأخلاقُ والقِيَمُ، آمِلاً أن تساعد - مع غيرها من الوسائل الإعلامية - فى بناء تَوَجُّهٍ إنسانيٍّ جديدٍ فى الإعلامِ العربيِّ والعالميِّ.

علينا أن نجعل من هذه المناسبة (يوم الأخوَّة الإنسانية) ذكرى محفورة فى تاريخ البشرية نستعيدها كل عام، لننطلقَ منها نحو عالم تسوده المودة، وتعلو فيه ثقافة الاختلاف والتنوع، وتختفى فيه نزعات العُنصرية والتعصُّب وكراهية الآخر، وتصنيف الناس فى طبقات متفاوتة على أساسٍ من اللَّون، والعقائد، والأجناس، والفقر، والغنى. لِيَكُن الرابع من فبراير تاريخاً لعالم جديد تعلو فيه صناعة السلام على صناعة السلاح، ويُبرهِنُ على قُدرتنا على خلق بيئةٍ مُشتركةٍ نعيشُ فيها جميعاً إخوةً مُتحابِّين.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ذات صلة

المقالات

نشرتنا البريدية