تعد قضية التغير المناخي واحدةً من أهم القضايا الملحة التي تهدد الحياة على سطح الكوكب، وانطلاقًا من مسئوليته الدينية والإنسانية تبنَّى مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، عددًا من الإجراءات العملية للتصدي لتغير المناخ ، مؤكدًا أهمية التعاون الدولي للحفاظ على البيئة والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، والتشجيع على الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية والتبني المستدام للتكنولوجيا النظيفة.
ففي عام 2021 وقبيل انعقاد مؤتمر الأطراف COP26 في مدينة غلاسكو، بعث فضيلة الإمام الأكبر برسالة إلى العالم أجمع يحذر من تداعيات تغير المناخ ووصفها بأنها ناقوس خطرٍ يؤكِّد ضرورة التحرك الجاد والحازم لمكافحة مخاطر التغير المناخي، وحماية مستقبل البشرية من هذا الخطر الحقيقي.
وبالتزامن مع انعقاد قمة المناخ COP27 في جمهورية مصر العربية بنهاية عام 2022، أكد شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين أهمية توعية النشء بالقضايا البيئية ومواجهة التغيرات المناخية؛ من خلال المناهج والمقررات الدراسية؛ نظرًا لما يشهده عالمنا من تحديات وتداعيات خطيرة تهدد مستقبل الإنسان المعاصر والأجيال القادمة.
وفي العام نفسه وخلال الاجتماع الاستثنائي لمجلس حكماء المسلمين الذي عُقِدَ برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبحضور قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسية الكاثوليكية، الذي شهدته العاصمة البحرينية المنامة، أكَّد فضيلته أن الإسلام أوجب الحفاظ على البيئة، ودعا إلى الاستثمار في استدامة مواردها، وحرَّم قطع الأشجار والنباتات أو إغراقها بالماء بهدف تخريبها، محذرًا من أن ما نشهده اليوم من فسادٍ وإفسادٍ في الأرض، وطغيان على موارد البيئة المستخلف فيها الإنسان لتعميرها، هو سيرٌ في اتجاه معاكس لإرادة الله في كونه الفسيح.
وبالتزامن مع استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر الأطراف COP28 خلال العام الماضي، قام مجلس حكماء المسلمين بجهودٍ مكثفةٍ، لتفعيل دور قادة الأديان في مواجهة القضايا والتحديات العالمية، والإسهام في إيجاد الحلول الفاعلة والملموسة لها، خاصة قضية المناخ، في ظل ما يشهده العالم من التداعيات السلبية لأزمة التغيرات المناخية، التي أصبحت تهدد الحياة على سطح كوكب الأرض.
وشَهِدَ عام ٢٠٢٣ تحركًا دؤوبًا، شرقًا وغربًا، لحشد أصوات القادة الدينيين في مواجهة قضية المناخ؛ حيث أجرى الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين المستشار محمد عبد السلام، عدة زيارات إلى العاصمة الإيطالية روما، التقى خلالها قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية؛ لبحث إطلاق مبادرة لتفعيل دور قادة الأديان في مواجهة التحديات المناخية، بالإضافة إلى تنظيم المجلس مؤتمر الأديان والتغير المناخي في جنوب شرق آسيا، الذي استضافته العاصمة الإندونيسية جاكرتا، وحضره ما يقرب من 150 من ممثلي الأديان المختلفة في منطقة جنوب شرق آسيا، إلى جانب علماء ومفكرين وشباب مهتمين بقضايا تغير المناخ.
كما نظَّم المجلس خلال العام نفسه، بالتعاون مع رئاسة مؤتمر الأطراف COP28 ووزارة التسامح والتعايش في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، القمة العالمية لقادة الأديان ورموزها من أجل المناخ، حضرها ممثلون عن 18 ديانة و30 مذهبًا وطائفة من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب علماء وأكاديميين وخبراء في البيئة، وممثلين عن المجتمع المدني، بما في ذلك الشباب والنساء والشعوب الأصلية.
وقد توجت هذه القمة بإصدار وثيقة "نداء الضمير: بيان أبوظبي المشترك من أجل المناخ" الذي وقَّع عليه فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى جانب 28 من قادة الأديان ورموزها؛ حيث دعا البيان إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فاعلة وملموسة لمواجهة الأزمة المناخية والحفاظ على كوكب الأرض.
وقد توجت هذه الجهود بعقد جناح الأديان في COP28 ، وذلك لأول مرة في تاريخ مؤتمرات الأطراف، الذي شَهِدَ انعقاد أكثر من 65 جلسة حوارية، حاضر فيها نحو 325 مشارك من مختلف أنحاء العالم، كما وفَّر منصة عالمية للمناقشة والحوار بين الأديان من أجل اتخاذ إجراءات طموحة وفعَّالة تعزز العدالة البيئية وتحافظ على البيئة للأجيال الحالية والقادمة.
ويهدف المجلس خلال الفترة القادمة البناء على هذه الجهود من أجل تعزيز جهود قادة ورموز الأديان في تسريع جهود مكافحة التغير المناخي خاصة في المجتمعات الضعيفة حول العالم.