أخبار

image
فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين: يدعو إلى إستراتيجية إعلامية عربية تعبر عن قضايا الأمة وتحفظ هويتها

٢٧ مايو ٢٠٢٥

في كلمته الرئيسية بافتتاح قمة الإعلام العربي بدبي

فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين: يدعو إلى إستراتيجية إعلامية عربية تعبر عن قضايا الأمة وتحفظ هويتها

شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين يكشف عن وثيقة عالمية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي تم الإعداد لها مع الراحل البابا فرنسيس وأن هناك تواصلًا مع الفاتيكان في عهدها الجديد لإتمام هذا المشروع

الإمام الأكبر : الإسلاموفوبيا لا تعدو أن تكون وهمًا أو خيالًا مريضًا صنعت منه تهاويل لتشويه صورة الإسلام والحط من مبادئه التي تقوم على السلام والعيش المشترك

دعا فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، إلى ضرورة تبني إستراتيجية إعلامية عربية قابلة للتطبيق، تصون الحقيقة، وتدافع عن القيم، وتعبر عن قضايا الأمة، وتحفظ هويتها، وتحمي الشباب من الوقوع فريسة لمنصات رقمية تتحكم في توجيه مشاعره وعواطفه، وتعمل -جاهدة- على تغييبه عن واقع أمته ومواجهة تحدياتها، وتهدم الفوارق، وتزيل الحدود بين الفضيلة والرذيلة في أذهان كثيرين منهم، مع تسويق شعارات زائفة مثل: التقدم والانفتاح والحرية والحداثة وغيرها.

ووجَّه فضيلة الإمام الأكبر، في الكلمة الرئيسية التي ألقاها في افتتاح قمة الإعلام العربي، جزيل الشكر والتقدير لدولة الإمارات العربية المتحدة ولصاحب السمو الشيخ: محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، ولنادي دبي للصحافة؛  لتنظيم هذا المنتدى الإعلامي الكبير، الذي أصبح -بعد قرابة ربع قرن من عمره- منصة مهمة للنقاش الفكري والإعلامي في عالمنا العربي والإسلامي، معربًا عن تقديره لمناقشة المنتدى لدور الإعلام العربي في مواجهة التحديات الأخلاقية الحديثة، وفي ظل عالم معاصر مفتوح يموج بالطفرات والأزمات الإنسانية والأخلاقية المتلاحقة.

وأضاف فضيلته: لقد عانينا نحن -العرب والمسلمين- من رسائل وتقارير إعلامية شوهت صورتنا في مرآة الغرب، بعد ما ربطت بين الإسلام وبين العنف والتطرف، وظلم المرأة، وصورته -زورًا وبهتانًا- في صورة «حركة اجتماعية» أو «أيديولوجية سياسية» تدعو للعنف والتعصب والكراهية والتمرد على النظام العالمي، مشيرًا إلى أن الإعلام الغربي كبر هذه المفتريات، ولا يزال يمارسها حتى يوم الناس هذا.. 

وأوضح شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين أنه ومما يؤسف له -أشد الأسف- أن كثيرًا من الصور المضللة تسلل إلى بلادنا، وانعكست آثاره -سلبًا واستلابًا- على خطابنا الإعلامي العربي، واستخدمت في سبيل هذه الخطة شخصيات من بني جلدتنا، برعوا في تصدير ثقافة زائفة، تعنى بنقد كل ما هو عربي المنشأ أو إسلامي الفكر والتوجه، ما زاد من جسامة التحديات الراهنة، وفي مقدمتها توسيع الفجوة بين وعينا المعاصر، وبين تراثنا الذي كان بالأمس القريب من أقوى مصادر عزنا وفخارنا وصمودنا في وجه العابثين بماضي هذه الأمة وبحاضرها.

وفيما يتعلق بالتناول الإعلامي للعدوان على قطاع غزة، قال فضيلة الإمام الأكبر، إنه لا يوجد منصف في الشرق أو في الغرب - يتمارى في أن القضية التي يجب أن تدور عليها ماكينة الإعلام العربي صباح مساء، هي: قضية «غزة» وما نزل بساحتها من حروب ودمار، وما صاحبها من انتهاكات بشعة أنكرتها شعوب العالم ولا زالت تنكرها وتزدريها، وعلى مدى تسعة عشر شهرًا متواصلة، مؤكدًا أن الإعلام العربي يقع على عاتقه مسئولية تاريخية في الكشف المستمر عن مظلومية أصحاب الأرض وأصحاب الحق، وإبراز صمود هذا الشعب وتشبثه بأرضه، وإبقاء قضية فلسطين شعلة متقدة في وجدان شعوب العالم شرقًا وغربًا.

ورحب شيخ الأزهر بتغير مواقف دول كثيرة من دول الاتحاد الأوروبي حيال ما حدث ولا يزال يحدث في غزة، ونحيي كثيرًا يقظة ضميرهم الإنساني النبيل، كما حيا فضيلته أيضًا الموقف العربي الصامد في مواجهة آلة العدوان، والساعي لوقف فوري لإطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية رغم تغطرس الاحتلال، موجهًا التحية لكل أحرار العالم الذين يرون فيما يحدث جريمة إنسانية يجب وقفها على الفور.

وحول تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا، قال فضيلة الإمام الأكبر، إننا ما زلنا ننتظر الكثير من جهود إعلامية مكثفة تبذل لمواجهة الظاهرة اللقيطة المسماة بظاهرة: «الإسلاموفوبيا»، والتصدي لآثارها السيئة في الشارع الغربي، رغم أنها لا تعدو أن تكون وهمًا أو خيالًا مريضًا صنعت منه تهاويل لتشويه صورة الإسلام والحط من مبادئه التي تقوم على السلام والعيش المشترك، وذلك على الرغم مما هو ثابت من حقوق الإنسان والحيوان والنبات والجهاد في شريعة الإسلام، ولا نعرف له مثيلًا في قوانين وأنظمة وسياسات معاصرة طالما تغنَّى بها واضعوها، وعيرونا بافتقادها، وما إن جاءت كارثة شعب غزة حتى انكشف الغطاء وسقط القناع، وما خفي كان أعظم وأطم..

ولفت فضيلته إلى أن حملات الإعلام الغربي لم تقتصر على مهمة تشويه الإسلام، وما نشأ في ظلاله من حضارة كبرى يعرف الغربيون قيمتها وقدرها وإسهامها في تنوير البشرية، وتعليمها وترقيتها، بل تعدتها إلى مهمة أخرى هي: محاولة الطعن في ثوابت حضارة الشرق وأصول أخلاقياتها واجتماعها الإنساني والأسري، والدعوة إلى طمس معالم هذه الأخلاق؛ حيث نادت هذه الحملات بالحرية الشخصية أولا، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير الأسرة وتغيير شكلها، والاستبدال بها أنظمة أخرى تضرب حقوق الأطفال في مقتل، وتبيح اقتراف ما حرمته الشرائع، بل الذوق الإنساني والأعراف البشرية، وسمحت بأن يتزوج الرجل الرجل، والمرأة المرأة، جنبًا إلى جنب إلى تسويغ الإلحاد والتمرد على فطرة التدين، وفي مسعى يهدف إلى تجفيف كل منابع القوة والاستقلال ومشاعر الاعتزاز بالشخصية العربية والإسلامية.. وكل ذلك، أو بعضه، جدير بأن يضع في رقابنا جميعا -وبخاصة الإعلاميون- أمانة التفكير الجاد في كيفية التصدي لهذه الرياح المسمومة وإنقاذ شبابنا وأوطاننا مما تحمله من عوامل الاستلاب والفناء والذوبان..

وانطلاقًا من أهمية مواكبة التطورات التقنية الحديثة، أكد شيخ الأزهر أن ما يشهده عالمنا اليوم من تطور تقني في مجال الذكاء الاصطناعي لا بد أن يحاط بسياج من المسؤولية الأخلاقية والضوابط المهنية، وذلك حتى لا ينقلب إلى وحش كاسر يهدد الإنسانية بأسرها، مؤكدًا أن المسؤولية هنا تقع على عاتق الخبراء والمشرعين، وعليهم وحدهم حراسة هذه التقنيات من الانحراف عن غاياتها الصحيحة، انطلاقًا من مبادى إنسانية بعيدة كل البعد عن أغراض الهيمنة والسيطرة والغزو الثقافي.

وكشف فضيلته أنه كان قد بدأ مع الراحل البابا فرنسيس، مشروع إصدار وثيقة جامعة حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وقطعَا في إعدادها شوطًا طويلًا، وكانت على وشك الظهور لولا أن الأقدار شاءت -برحيل البابا- ترتيبًا آخر، موضحًا أن هناك تواصلًا مع الفاتيكان في عهدها الجديد لإتمام هذا المشروع.

وحول ما يتعرَّض له الصحفيون في مناطق الحروب والنزاعات، وبخاصة في قطاع غزة، قال شيخ الأزهر،  إن واجب الوفاء يقتضي أن أستحضر -معكم- مأساة زملائكم الصحفيين الفلسطينيين، وغيرهم ممن شاءت أقدارهم أن يدفعوا حياتهم ثمنًا لشرف الكلمة، وحرمة الحقيقة، وتصوير الواقع دون تدليس أو تزوير، وقد استشهد منهم ما يزيد على مئتي إعلامي على تراب غزة، وآخرون غيرهم ممن أصيبوا بجروح بالغة، أو ممن بترت أطرافهم، أو هدمت بيوتهم، أو فقدوا أسرهم، أو تشردت عائلاتهم.

وأوضح فضيلته أن هذا الاستهداف الممنهج للصحفيين في غزة إنما يهدف إلى إسكات صوت الحقيقة، ومنع الصورة الشاهدة والفاضحة لبشاعة العدوان، وطمس الأدلة وتضليل العدالة والحيلولة دون توثيق الجرائم التي ترتكب آناء الليل وأطراف النهار ، ومن هذا المنطلق فإنني أدعو كل من ينتسب إلى مهنة الإعلام النبيلة، أن يشارك في وضع إستراتيجية إعلام عربي، تكون درعًا يحمي الحق، ويصون قيم الأمة ويحفظ هويتها، مؤكدًا أن الأزهر الشريف لَيُسعده كثيرًا أن يكون معكم، وداعمًا لكم في تحقيق هذا الواجب المقدس.

صور :