نظم جناح مجلس حكماء المسلمين في معرض إندونيسيا للكتاب الدولي الإسلامي، ندوة ثقافية بعنوان: "دور الدين في تعزيز التنوع الثقافي"، قدَّمها كلٌّ من الدكتور لقمان حكيم سيف الدين وزير الشؤون الدينية الأسبق في جمهورية إندونيسيا، وأ. د. عمان فتح الرحمن، أستاذ فقه اللغة في جامعة شريف هداية الله بجاكرتا، كما أدار الندوة الدكتور مخلص حنفي، مدير مكتب مجلس حكماء المسلمين في إندونيسيا، وذلك بحضور العديد من زوار المعرض وطلاب المعاهد الدينية وطلاب الجامعات.
وفي بداية الندوة، أشاد المشاركون بجهود مجلس حكماء المسلمين ودوره الفاعل في نشر قيم التسامح وتعزيزها والتعايش والأخوة الإنسانية، وذلك من خلال مبادراته ومشروعاته الملهمة، وفي مقدمتهم الحوار بين الشرق والغرب، وقوافل السلام الدولية، وإصداراته المتنوعة التي تسهم في تشكيل وعي فكري مستنير، مرورًا بتنظيم الندوات والمؤتمرات التي تهدف إلى إرساء حوار فكري بنّاء حول قضايا العصر وتحدياته.
وقال الدكتور لقمان حكيم سيف الدين إن المجلس يؤدي دورًا جوهريًّا وإستراتيجيًّا في الحفاظ على التراث القيم الذي تركه الأسلاف، ليس فقط من خلال صونه، بل أيضًا عبر تحديثه وتطويره بما يتماشى مع المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، لضمان استمرارية هذا الإرث وقدرته على التفاعل مع تحديات الحاضر، موضحًا أن الدين والثقافة يشكلان وحدة مترابطة لا يمكن فصلها، على الرغم من وجود اختلافات بينهما، مستشهدًا بالنموذج الإندونيسي الذي يعد نموذجًا عالميًّا يحتذى به بفضل تكامل الدين والثقافة فيها.
وأضاف وزير الشؤون الدينية الأسبق في جمهورية إندونيسيا أن الدين يحمل القيم الإلهية التي تحتاج إلى إطار عملي يترجمها إلى واقع ملموس، وهذا الإطار هو الثقافة، التي بدونها، تظل القيم الدينية مجرد مبادئ نظرية دون تفعيل؛ حيث تمثل الثقافة الطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع تحدياته وتحويلها إلى عادات وتقاليد، مشيرًا إلى أن الثقافة ضرورية لتفعيل تعاليم الدين في الحياة اليومية، فهي الوسيلة التي تجعل القيم الدينية جزءًا من الواقع، ورغم تنوع الثقافات تبقى القيم الدينية الأساسية ثابتة وغير قابلة للتنازل.
من جانبه، أكد الدكتور عمان فتح الرحمن أهمية التكامل بين الدين والثقافة في تعزيز التنوع الثقافي، وقال إن التنوع الثقافي يُعد من السمات المميزة لإندونيسيا وجنوب شرق آسيا، فعند النظر إلى تطور تقاليد الكتابة في إندونيسيا منذ القرن السادس عشر، نجد أن العلماء الإندونيسيين بدءوا باستخدام النص الجاوي (اللغة الملايوية بحروف عربية) في الكتابة، مما أسهم بشكل كبير في نشر الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية، مما جعل الثقافة عاملًا أساسيًّا في توسيع نطاق انتشار الإسلام.
وأشار أستاذ فقه اللغة في جامعة شريف هداية الله بجاكرتا إلى أن أقدم المخطوطات الإندونيسية المعروفة هي مخطوطة "سلطان السلاطين"، التي تسرد تاريخ ملوك باساي وتُكتب باللغة الملاوية باستخدام الحروف العربية، كذلك تطور الكتابة بالحروف العربية لم يقتصر على منطقة جاوة فحسب، بل شمل أيضًا مناطق أخرى في إندونيسيا، موضحًا أن هذا التطور في الكتابة يعكس دور الثقافة في تعزيز انتشار الدين الإسلامي، والتنوع في الحضارات الإسلامية لتشمل الحضارات العربية، والتركية، والأمريكية، والإندونيسية، مما يبرز كيف ساهمت الثقافة في نشر الدين الإسلامي بشكل واسع ومتعدد، وجعلته يتنقل عبر مختلف المناطق الجغرافية والثقافية.
ويشارك مجلس حكماء المسلمين بجناح خاص للمرة الثالثة على التوالي في معرض إندونيسيا الدولي للكتاب الإسلامي في دورته الثانية والعشرين 2024، الذي يُعقد في الفترة من 14 إلى 18 أغسطس الجاري بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا؛ حيث تأتي مشاركة المجلس انطلاقًا من رسالته الهادفة إلى تعزيز السِّلم، وترسيخ قيم الحوار والتسامح ومد جسور التعاون بين بني البشر على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم، ويقدم الجناح الذي يقع في قاعة "جي سي سي"، جناح "أيه" و"بي" (JCC hall A&B) أكثر من 220 إصدارًا بلغات مختلفة تعالج أبرز القضايا الفكرية والثقافية المهمة تعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر الفكر الوسطي المستنير.