العميد السابق لكلية الشريعة بالجامعة العراقية: الدعوة التي وجهها شيخ الأزهر لوحدة المسلمين تحمل في طياتها رؤية صادقة وتوجه مستنير نحو تعزيز الحوار الإسلامي-الإسلامي
الباحث في مكتب إحياء التراث بمشيخة الأزهر: الأمة الإسلامية بحاجة ملحَّة إلى لم الشمل ووحدة الصف ما من شأنه استعادة أمجاد الأمة وإبراز الصورة المثلى للمجتمع الإسلامي
نظم جناح مجلس حكماء المسلمين بمعرض بغداد الدولي للكتاب في دورته الـ25، ندوة ثقافية بعنوان: "الحوار الإسلامي-الإسلامي في ضوء مقاصد الشريعة"، قدمها كل من أ.د سعدي الجميلي، أستاذ أصول الفقه والعميد السابق لكلية الشريعة بالجامعة العراقية_ بغداد، والدكتور محمد جمال، الباحث في مكتب تحقيق التراث بمشيخة الأزهر؛ حيث تناولت الندوة سُبل تعزيز الحوار الإسلامي-الإسلامي بين مختلف المذاهب والمدارس الفكرية الإسلامية، من منظور شرعي يسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، ودرء المفاسد، وحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ويركز على المشتركات التي تجمع بين المسلمين والاستفادة منها فيما يخدم الأمة.
وفي بداية الندوة، أعرب الأستاذ الدكتور سعدي الجميلي، عن تقديره للدعوة التي وجهها فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، لتعزيز الحوار الإسلامي الإسلامي، مؤكدًا أنها تهدف إلى تعزيز الشأن الإسلامي ووحدة صف الأمة، وتأكيد أن الأخوَّة الدينية هي الباعثة للأخوة الإنسانية؛ حيث تحمل في طياتها رؤية صادقة لوحدة المسلمين، وتوجه مستنير نحو تعزيز الحوار بين كافة المذاهب ومدارس الفكر الإسلامي، مشيرًا إلى أن هذه الدعوة جاءت مهمة في توقيتها، خاصة في ظل الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية حاليًا من تحديات كبرى.
وأوضح أستاذ أصول الفقه والعميد السابق لكلية الشريعة بالجامعة العراقية، أن الحوار الإسلامي-الإسلامي يجب أن يقوم على أساس مقاصد الشريعة الإسلامية التي تمثل الركيزة الأساسية للوحدة بين أبناء الأمة، موضحًا أن أهم هذه المقاصد تتمثل في العدل والمساواة؛ حيث إن العدالة والمساواة تعد أساس أي حوار ناجح ومثمر، فلا يمكن الوصول إلى وحدة الأمة إلا إذا شعر كل فرد فيها بأنه يعامل بالعدل والمساواة، بالإضافة إلى الحرية، التي تعد من المقاصد الرئيسية للشريعة الإسلامية، سواء في المعتقد أم الرأي أم التعبير، فالإسلام كفل هذه الحريات ليس فقط لأتباعه، ولكن لأتباع الديانات الأخرى أيضًا، فكيف بأبناء الأمة الواحدة.
كما وجَّه الأستاذ الدكتور سعدي الجميلي دعوة إلى كافة المسلمين للعمل بجدية على توحيد صفوفهم، والتمسك بمقاصد الشريعة الإسلامية التي تجمعهم، والتخلي عن الانقسامات المذهبيَّة التي أضعفت الأمة، وتحقيق الأهداف التي وضعتها الشريعة لضمان استمرارية الأمة وازدهارها، مؤكدًا أن الوحدة الإسلامية ليست مجرد حلم، بل هي هدف واقعي يمكن تحقيقه إذا صدقت النوايا وتضافرت الجهود لتحقيق مستقبل أفضل للأمة الإسلامية وأجيالها الحالية والقادمة.
من جانبه أكد الدكتور محمد جمال أن الأمة الإسلامية بحاجة ملحَّة وماسة إلى لم الشمل ورأب الصدع، ووحدة الصف، وإجماع الكلمة، ما من شأنه استعادة أمجاد الأمة، وإبراز الصورة المثلى للمجتمع الإسلامي، التي ترتكز على قيم الرحمة والتسامح والتفاهم والتعايش، مشيرًا إلى أن وحدة الأمة الإسلامية وحفظها في الدين، والعقل، والنفس، والعرض والمال مطلب جاءت به ودلت عليه التشريعات الإسلامية، سواء في الآيات القرآنية أو السنة النبوية المشرفة؛ حيث قال ربنا سبحانه وتعالى: "وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ" (المؤمنون:52).
واختتم الباحث في مكتب إحياء التراث بمشيخة الأزهر الندوة بتأكيد أهمية الحوار الإسلامي الإسلامي، مستشهدًا بكلمة فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في الاحتفال بالعام الهجري 1446، حيث قال فيها :" أتوجَّهُ إلى سادتِنا عُلماءِ الأُمَّة،: أنْ يَنْهَضُوا -في غير إبطاءٍ- لتحقيق وحدةٍ عُلمائيَّة تجمعُ رموز الإسلام من سُنَّةٍ وشيعةٍ وإباضيَّة وغيرهم مِمَّن هُم مِن أهلِ القِبْلَة، يجتمعونَ بقلوبِهم ومَشاعرهم -قبلَ عقولِهم وعلومهم- على مائدةٍ واحدةٍ؛ لوضعِ حدودٍ فاصلةٍ بين ما يجبُ الاتِّفاق عليه وما يصحُّ الاختلاف فيه، وأنْ نقتديَ في اختلافاتِنا باختلافِ الصَّحابة والتَّابعينَ، ذلكم الاختلافُ الذي أَثْرى العلومَ الإسلاميَّة، وحوَّلها إلى معينٍ لا ينضب من اليسر واللطف والرحمة، وأن نُوصدَ البابَ في وجهِ اختلافاتنا المعاصرة، التي أورثَتْنا الكثيرَ من الشِّقاقِ والنِّزاعِ والضَّغائن والأحقاد، وقدَّمَتْنا لُقمةً سائغة للأعداءِ والمتربِّصين، وإنِّي لعَلَى ثقةٍ مِن أنَّ اتِّفاقَ عُلماء الأُمَّة سوف يُثْمِرُ بالضَّرورةِ اتِّفاقَ قادتها، وسوف يدفعُهم إلى تحقيقِ المصالح القُطْرِيَّة في إطارِ المصلحة العربيَّة والإسلاميَّة، وهُم قادرون على ذلك بفضلِ الله تعالى وعَوْنِه".
ويشارك مجلس حكماء المسلمين بجناح خاص للمرة الأولى في معرض بغداد الدولي للكتاب، وذلك انطلاقًا من رسالته الهادفة إلى تعزيز السِّلم وترسيخ قيم الحوار والتسامح، ومد جسور التعايش بين بني البشر على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم؛ حيث يقدم جناح المجلس الذي يقع في قاعة بغداد جناح رقم H2، أكثر من 220 إصدارًا بـ 5 لغات مختلفة، منها 24 إصدارًا جديدًا، يعالج أبرز القضايا الفكرية والثقافية المهمة، كما يستضيف الجناح سلسلة من الندوات والمحاضرات المتميزة، يشارك فيها نخبة من كبار المفكرين والعلماء والأكاديميين، لمناقشة سُبل تعزيز الحوار والتفاهم بين كافة الطوائف الإسلامية، وبناء جسور التواصل والسعي نحو مزيد من التعاون والوحدة بين مختلف مكونات الأمة.