ركَّزت جلسات اليوم التاسع والعاشر من فعاليات جناح الأديان، الذي ينظمه مجلس حكماء المسلمين، في مؤتمر الأطراف COP29، بالعاصمة الأذربيجانية باكو، على مجموعة واسعة من الموضوعات والقضايا المحورية المتعلقة بالتغير المناخي والتنمية المستدامة، تشمل دور القيم الروحية والإيمانية في دعم الجهود العالمية للتصدي لأزمة المناخ، مع تأكيد أهمية إدماج الشباب والنساء والمجتمعات الأصلية في جهود العمل المناخي العالمي، كذلك الحاجة الملحَّة إلى تطوير مدن مقاومة لتغيرات المناخ وتعزيز الحلول القائمة على الطبيعة لتحسين جودة المياه، والأمن الغذائي.
وفي كلمتها بالجلسة الافتتاحية للجناح أكدت يو لين، رئيسة معبد فو غوانغ شان في نيويورك، أن مشكلة التغير المناخي وتدمير النظام البيئي أصبحت واضحة وخطيرة على المستوى العالمي، مما يستوجب العمل الجاد لرعاية الطَّبيعة وضمان استدامتها، مشيرةً إلى أن حماية البيئة تبدأ من داخل الأفراد من خلال نقاء الفكر والسلوك الإيجابي، داعية إلى العمل الجماعي من أجل تحقيق التنمية المستدامة وضمان مستقبل أفضل لكوكب الأرض وموارده للأجيال القادمة.
من جانبها قالت أوبيندو مواكيوسا، مؤسسة ورئيسة مؤسسة "نداء من أجل الحفاظ على البيئة" في كلمة الشباب بالجلسة الافتتاحية اليومية للجناح، إنه يجب تفعيل دور الشباب في مواجهة تغير المناخ وبناء مجتمعات مستدامة، لما لديهم من القدرة على إحداث تغييرات ملموسة وتقديم حلول فعَّالة للتخفيف من آثار تغير المناخ، كما أكدت أهمية تركيز العمل المناخي على النساء والشباب والأطفال، باعتبارهم أكثر الفئات عرضة للتحديات المرتبطة بالمناخ، موضحةً أنه لا يجب أن تُرى فقط كضحايا لهذه التحديات، بل يجب تمكينها لتكون جزءًا من الحلول المناخية الفعالة.
وفي الجلسة الحوارية الأولى التي عُقِدَت بعنوان " المناطق الحضرية في آسيا.. التغلب على الحواجز وتوسيع نطاق الحلول القائمة على الطبيعة"، أكَّد المشاركون أن التوسع في البناء الحضري في آسيا يمثل تحديًا كبيرًا في ظل تغير المناخ الذي سيؤدي بحلول منتصف القرن إلى تعريض مئات المدن الساحلية في آسيا لتحديات مثل ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف الشديدة والممارسات الحضرية غير المستدامة، مشيرين إلى الحاجة الماسة لإنشاء مدن أكثر مقاومة للمناخ من خلال تحسين أنظمة الإنذار المبكر وتطوير خطط للتكيف مع الظروف الجوية القاسية، وتقديم حلول قائمة على الطبيعة ليشمل التكيف مع تغير المناخ وتحسين جودة المياه وخفض درجات الحرارة وتعزيز الأمن الغذائي.
وتناولت الجلسة الثانية التي جاءت بعنوان: "التكاتف، العمل، والمرونة في مؤتمرات الأطراف"، أهمية إشراك القيم الروحية والمبادئ الأخلاقية في المناقشات المناخية العالمية؛ حيث أوضح المتحدِّثون أن أهمية دمج أصوات المنظمات وقادة الأديان وممثلي المجتمع المدني والشباب والمرأة والشعوب الأصلية في الجهود المبذولة لمواجهة أزمة المناخ، مشيرين إلى أن القيادات الدينية بحاجة إلى حوار مستمرٍّ مع صناع القرار لضمان إدراج رؤاهم في السياسات المناخية، مما يمكنهم من تعزيز العمل البيئي بين الأفراد والمجتمعات، وضمان وصول المعرفة والممارسات الصحيحة المتعلقة بتغير المناخ.
وفي السياق ذاته، أكد المشاركون في الجلسة الثالثة التي تناولت "دور القيم المشتركة في مواجهة أزمة المناخ"، أنَّ العمل المشترك ومتعدد الأطراف أصبح ضرورة لمواجهة الأزمة المناخية العالمية، خاصة أن الممارسات الحالية تنعكس بشكل كبير على مستقبل الأجيال القادمة، مشيرين إلى ضرورة رفع الوعي داخل المجتمعات حول خطورة التغير المناخي، وإبراز الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه المجتمعات الدينيَّة في تعزيز هذه الجهود من خلال نشر المعرفة وتنفيذ برامج بيئية فعَّالة مثل زراعة الأشجار واعتماد تقنيات الطاقة المتجددة.
وفي الجلسة الأخيرة باليوم التاسع التي جاءت بعنوان "التجارب الإفريقية القائمة على الإيمان والعمل المشترك بين الأجيال لتحقيق العدالة المناخية"، استعرض المشاركون التجارب الإفريقية التي تجمع بين الإيمان والعمل والدعوة المجتمعيَّة لمواجهة أزمة المناخ؛ حيث أوضح المشاركون أهمية تمكين المجتمعات بالمعرفة لفهم تأثيرات تغير المناخ والحلول التي يمكن تحقيقها من خلال حماية البيئة والمحافظة على الطبيعة، كما دعوا إلى اتخاذ إجراءات مناخية طموحة تشمل إستراتيجيات شاملة؛ مثل تبنِّي الطاقة المتجددة، وممارسات الاستخدام المستدام للأراضي، وتطوير البنية التحتية المقاومة للمناخ، وتنفيذ تدابير فعَّالة للتخفيف والتكيف مع تغير المناخ، وتمكين الفئات الأكثر ضعفًا وعرضة لتداعيات تغير المناخ، بما في ذلك المزارعون والصيادون، لضمان مستقبل عادل ومستدام للجميع.
وفي جلسة اليوم العاشر التي جاءت بعنوان: "من الإيمان إلى العمل: دور الزعماء الدينيين وقوة القيم القائمة على الإيمان في رعاية الأرض"، أكد المشاركون الدور المحوري للقيم الإيمانية في تعزيز الجهود لمواجهة التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة؛ حيث أشاروا إلى أهميَّة دمج التعاليم الدينية والأخلاقية مثل البساطة واحترام الحياة مع السياسات البيئية لتحفيز التحول السلوكي وإحداث تغيير إيجابي على المستويين الفردي والمجتمعي، موضِّحين أن القادة الدينيين يمكنهم أن يسهموا في بناء مستقبل أكثر استدامةً وعدلاً.
ويهدف جناح الأديان في COP29 إلى البناء على النجاح الذي تحقَّق في النسخة الأولى خلال COP28، ومواصلة العمل على تأطير تغيُّر المناخ باعتباره قضية دينية وأخلاقية عميقة؛ وبحث أفضل الممارسات لتشجيع أنماط الحياة المستدامة، فضلًا عن استكشاف التأثيرات غير الاقتصادية لتغير المناخ من خلال وجهات نظر قائمة على الإيمان، ودعوة صنَّاع القرار والسياسات على مستوى العالم من أجل النظر في العواقب الروحية والأخلاقيَّة للإهمال البيئي واتخاذ إجراءاتٍ فوريَّةٍ وحاسمة لحماية الكوكب.